مصطلح الذكاء الاصطناعي
حاول الفلاسفة فهم التكفير الإنساني ضمن سياق على شكل نظام، وقد أدت هذه الفكرة إلى ظهور مصطلح “الذكاء الاصطناعي” عام 1956. وما زال يُعتقد أن الفلسفة لها دور مهم في تطوير الذكاء الاصطناعي حتى يومنا هذا. كتب ديفيد دوتش، الفيزيائي في جامعة أوكسفورد، في مقالة عن اعتقاده بأن الفلسفة ما زالت تحمل المفتاح لتحقيق الذكاء الاصطناعي العام AGI، وهو مستوى ذكاء الآلة الذي يماثل ذكاء الدماغ البشري، على الرغم من حقيقة أنه “لا يوجد دماغ على وجه الأرض حتى الآن، قريب من معرفة ما تفعله أدمغتنا لتحقيق أي من وظائفها”.
أما الآن فعُرّف الذكاء الاصطناعي بأنه تعبير يطلق على القدرات التي تبديها الآلات والبرامج، بما يحاكي القدرات الذهنية للبشر “الذكاء”، مثل التعلم والاستنتاج ورد الفعل، يتحقق ذلك عن طريق استخدام خوارزميات يمكنها أن تكتشف الأنماط، وتولد الأفكار انطلاقاً من البيانات التي تعرض عليها، لتطبيقها على عمليات اتخاذ القرار والتنبؤات المستقبلية، وهي عملية تتجنب الحاجة إلى برمجة الخطوات بطريقة مخصصة لكل إجراء ممكن بمفرده.
تطور الذكاء الاصطناعي
يعتمد الذكاء الاصطناعي على أنظمة التعرف على الوجوه والأصوات والأشكال ، مما جعل استخدامه واسع الانتشار في الحياة اليومية وفي الكثير من المجالات المختلفة حيث يستخدم في الصناعة، والتحكم الآلي والنظم الخبيرة، والطب والأحياء، والتعليم، وحتى الألعاب.
لا يتوقف طموح العلماء والباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي عند حد، ويبلغ ذروته عند من يتحدثون عن إمكانية تصنيع عقل ذي ذكاء خارق يفوق القدرة البشرية، ويتحدثون أيضا عن الوعي الاصطناعي أو الشعور.
تسببت التطورات التي تحققت في الذكاء الاصطناعي بزيادة حدة النقاشات، خاصة بشأن كونها تشكل تهديداً للبشرية.
كشفت دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعتي أوكسفورد البريطانية وييل الأمريكية أن هناك احتمالًا بنسبة 50% بأن يتفوق الذكاء الاصطناعي على الذكاء البشري في جميع المجالات في غضون 45 عامًا، كما من المتوقع أن يكون قادرًا على تولي كافة الوظائف البشرية في غضون 120 عامًا. ولا تستبعد نتائج الدراسة أن يحدث ذلك قبل هذا التاريخ.
ووفقًا للدراسة فإن “الآلات ستتفوق على البشر في ترجمة اللغات بحلول عام 2024، وكتابة المقالات المدرسية بحلول عام 2026، وقيادة الشاحنات بحلول عام 2027، والعمل بتجارة التجزئة في 2031، بل وفي كتابة واحد من أفضل الكتب مبيعًا بحلول عام 2049، وفي إجراء الجراحات بحلول عام 2053”.
اقرأ أيضاً: تستخدم المدارس الصينية “الزي الذكي” لتتبع مواقع طلابها
وشددت الدراسة على أن الذكاء الاصطناعي يحسِّن قدراته بسرعة، ويثبت ذاته على نحو متزايد في المجالات التي يسيطر عليها الإنسان تاريخيًّا، وعلى سبيل المثال، فإن برنامج “ألفا جو”، المملوك لشركة جوجل، هزم مؤخرًا أكبر لاعب في العالم في اللعبة الصينية القديمة المعروفة باسم “جو”. وفي الإطار ذاته، تتوقع الدراسة أيضًا أن تحل تكنولوجيا القيادة الذاتية محل الملايين من سائقي سيارات الأجرة.
وتُعَدُّ لعبة ألفا جو أحد التحديات الكبيرة بالنسبة للكمبيوتر، ويرى خبراء أنها تفوق تحدي لعبة الشطرنج.
يحذر فريق من العلماء من أن ذلك قد يعني سيطرة الآلات واضمحلال دور البشر وقال عالم فيزياء الفلك البريطاني ستفين هوكينغ إن الذكاء الاصطناعي الكامل بمعنى ابتكار أجهزة حاسوب تمتلك عقولا خاصة بها “يمكن أن يؤذن بنهاية الجنس البشري”.
أما بيل جيتس، أحد مؤسسي شركة مايكروسوفت، أطلق تحذيرًا خطيرًا ، قارن فيه بين الذكاء الاصطناعي المتقدم والأسلحة النووية. ولم يخفِ جيتس مخاوفه السابقة من احتمال نشوب صراع بين البشرية والذكاء الاصطناعي؛ وسبق أن قال في عام 2015 «أنا في صف القلقين من الذكاء الاصطناعي الفائق، إذ ستؤدي الآلات بداية وظائف كثيرة نيابة عنا ولن تصل إلى حد الذكاء الفائق، وهو أمر إيجابي إذا نجحنا في إدارتها، ولكن بعد عقود عدة سيصل الذكاء إلى مرحلة يشكل فيها مصدر قلق كبير.»
ولا يختلف الأمر كثيرًا عند هرم تقني آخر هو شركة تِسلا Teslaومؤسّسها إيلون ماسك Elon Musk، فالشركة ليست مُجرّد اسم لإنتاج سيّارات كهربائية، بل هي شركة اشتهرت بفضل نظامها للقيادة الذاتية، وهي أنظمة تعتمد بشكل شبه كامل على الذكاء الاصطناعي. لكنه قام بتشبيه الذكاء الاصطناعي على أنه “أكبر تهديد يواجه وجودنا نحن البشر”، وشبّه الآلات التي تفكر بـ”الأسلحة النووية” و”الشيطان”.
أما أستاذ علم الحاسوب بجامعة مونتريال الكندية يوشوا بينغيو فيرى أنه لا ينبغي القلق من التقنيات الذكية، فهي تحتاج لسنوات كثيرة من التطور البطيء والتدريجي قبل أن تصل إلى المدى الذي يخشاه هؤلاء، لأنها تستند في تطورها إلى علوم وأفكار لا تزال في بداياتها.
فإذاً هل الذكاء الاصطناعي يعد خطراً على البشرية ؟؟
مستقبل مظلم
أمعن إيلون ماسك التفكير في حقيقة الذكاء الاصطناعي وإمكانياته القوية، وقاده ذلك إلى الإيمان بضرورة دمج أنفسنا بالآلات إذا أردنا استمرار الجنس البشري، وأسس لهذا الغرض شركة ناشئة لتطوير تقنية واجهة الدماغ الحاسوبية اللازمة لذلك، وعلى الرغم من أن المخبر الذي أسسه ماسك «أوبن إي أي» طور ذكاءً اصطناعيًا قادرًا على تعليم نفسه، إلا ماسك قال مؤخرًا بأن نسبة نجاح الجهود التي تهدف إلى جعل الذكاء الاصطناعي آمنًا تبلغ 5 – 10% فقط. واعترف ماسك علانية أن تقنية الذكاء الاصطناعي لا تقدم إمكانيات كبيرة فحسب، بل قد تسبب مشاكل خطيرةً أيضًا، وذلك على الرغم من انخراط ماسك الكبير في تطوير الذكاء الاصطناعي.
شرح ماسك في لقائه مع رولينج ستون المزيد من المخاطر والمشكلات المرتبطة حاليًا بالذكاء الاصطناعي، ومنها احتمال سيطرة عدد قليل من الشركات على قطاع الذكاء الاصطناعي، وأشار إلى شركة «ديبمايند» التابعة لجوجل كمثالٍ رئيس، وقال ماسك «تملك شركات فيسبوك وجوجل وأمازون وشركة آبل – التي تبدي اهتمامها بخصوصية المستخدم – معلومات عن المستخدمين أكثر مما يتذكره المستخدمون أنفسهم، لذلك فالخطر كبير في تركيز السلطة في يد شركات قليلة، فمن غير المعقول أن تسيطر مجموعة من الناس في شركة جوجل على الذكاء الاصطناعي العام – الذي يمثل حجمًا كبيرًا من السلطة – دون رقابة.»
لا يتفق جميع الخبراء على رأي ماسك، إذ قال مارك زوكربيرج مؤسس موقع فيسبوك بأنه متفاءل بمستقبل البشرية بوجود الذكاء الاصطناعي، واصفًا تصريحات ماسك بأنها «غير مسؤولة»، وفي المقابل عبّر ستيفن هوكينج علانية عن رأيه بأن أنظمة الذكاء الاصطناعي تشكل خطرًا كبيرًا على البشرية، إلى درجة أنها قد تحل مكانها.
يرى آخرون أن الخطر لا يعود للذكاء الاصطناعي بحد ذاته، بل يكمن في سوء الاستخدام؛ وقال الباحث هافا سيجلمان، مدير برامج تقنية الأنظمة الميكروية في وكالة مشاريع بحوث الدفاع المتطورة (داربا) التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، لمرصد المستقبل، إن «جميع أنواع التقنية قابلة لسوء الاستخدام. أظن أن الأمر بيد من يستخدمها. ولا وجود لتقنية سيئة، بل أشخاص سيئون.»
ولسنا متيقنين بعد من إمكانية إنشاء ذكاء اصطناعي عام قادر على أداء أي مهمة إدراكية يستطيع البشر القيام بها ببراعة أو ربما بشكل أفضل.
وعلى الرغم من المستقبل الواعد للذكاء الاصطناعي المتقدم، إلا أنه يظل مقرونًا بجملة من الإشكاليات والأسئلة الأخلاقية، وربما لا نعرف جميع الأسئلة التي يجب الإجابة عنها حتى الآن.
فمثلا تمكن باحثون في جامعة واشنطن الأمريكية من صنع فيديو مزيف للرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.
استخدم الباحثون جهاز ذكاء اصطناعي لرسم نموذج متحرك لفم أوباما يمكنهم أن يضيفوا إليه أي صوت وكلمات.
و يتخوف البعض من أن هذه التقنية قد تؤدي لانتشار الفيديوهات الزائفة على الإنترنت.
الآن أنظمة ذكاء اصطناعي قادرةٌ على إنشاء أنظمة ذكاء اصطناعي أُخرى، وأنظمة قادرة على التحدث مع بعضها بلغتها الخاصة، وأنظمة محبة للاستطلاع، وعلى الرغم من أن فكرة تفرد الروبوتات وانتفاضتها على البشر قد تبدو الآن محض خيال علمي، إلا أن تطور الذكاء الاصطناعي يجعل هذه الفكرة قابلة الحدوث في المستقبل، لكن هذه المخاوف لا تشكل سببًا كافيًا للتوقف عن تطوير الذكاء الاصطناعي، فلدينا الآن ذكاء اصطناعي قادرٌ على تشخيص أمراض السرطان وتحديد السلوك الانتحاري.
كما أنها تتمتع بالقدرة على إنقاذ حياة البشر وتحسينها، لذلك يجب علينا إيجاد قوانين لجعل الذكاء الاصطناعي آمنًا في المستقبل، أما بالنسبة إلى تحذيرات ماسك، فهي في النهاية رأي رجل واحد، وهذا ما قاله ماسك بنفسه لمجلة رولينج ستون «لا أعلم كل الإجابات، إذ أحاول أن أعرف مجموعة الإجراءات التي يمكن اتخاذها لجعل المستقبل أفضل، وإذا كان لديك اقتراحات في هذا الصدد، فأنا جاهز للاستماع لها.»